منتدى عماد عبد الحى الأطير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى عماد عبد الحى الأطير

منتدى مفيد لكل الرغبات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الحياة البرزخية : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


الحياة البرزخية  : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم   Jb12915568671

الحياة البرزخية  : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم   CXB49444
عدد المساهمات : 1144
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الحياة البرزخية  : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم   Empty
مُساهمةموضوع: الحياة البرزخية : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم    الحياة البرزخية  : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم   Icon_minitime1الثلاثاء ديسمبر 06, 2011 11:55 pm



الحياة البرزخية
عبدالرحمن بن عبدالله السحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفـره ، ونعـوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أمـا بعـد :.
فإن الدّور التي تَمُرُّ بالإنسان ، ويمرُّ بها ثلاث لا رابعة لها :
دار الدنيا ، ودار البرزخ ، والدار الآخِرة .
ولكل دارٍ خصائصها وأحكامُها التي تُميّزها عن غيرها .
فالدنيا ظلٌّ زائل ، وهي دار الفناء ، ومتاع الغرور .
كما في قوله تبارك وتعالى Sad وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)
وقال صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم - :« الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة » .
والدار الآخرة هي الحياة الحقيقية . قال تبارك وتعالى Sad وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
وبَيْنَ الدّارين دارُ البرزخ ، وهي مرحلة متوسطة بين الدنيا والآخرة ، وهي تأخذ من أحكام هذه ومن أحكام هذه .
ذلك لأن الإنسان مركّب من الروح والجسد ، فأحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعاً لها ، وأحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعاً لها ، وفي الآخرة يكون النعيم أو العذاب على الأرواح والأبدان جميعاً .
ولعلي أتحدّث قبل الدخول في الموضوع حول مسألة مهمة ، كانت من المُسلَّمات عند سلف الأمّة ، ألا وهي ثبوت عذاب القبر ونعيمه، وهذه المسألة مما أنكرته المُعتّزِلة ، وأنكرها بعض العصرانين ممن يتصدّرون للفُتيا عبر القنوات ، أو قل ممن تُصدِّرهم الفضائيات ، وتُبرِزُهم على حساب العلماء الصادقين المخلصين .
وقد بلغني أن أحدهم قال في إحدى القنوات : إنه لا يوجد آية ولا حديث تدلّ على إثبات عذاب القبر .
وقد أُكـره أحد العلماء في الصلاة على أحد شيوخ المعتزلة فقال في صلاة الجنازة : اللهم إنه يُنكر عذا القبر فأذقه إياه !
أقول مُستعيناً بالله :
لا بُد أن يُعلم أن إثبات عذابَ القبر ونعيمَه من عقيدة أهل السنة والجماعة ، قال الإمام الطحاوي – رحمه الله – : ونؤمن بملك الموت ، الموكّل بقبض الأرواح وبعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الاخبار عن رسول الله وعن الصحابة رضوان الله عليهم ، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .
وهو داخل في الركن الخامس من أركان الإيمان ، وهو الإيمان باليوم الآخِر . فالقبر أول منازل الآخرة .
ولا يستقيم إيمان عبد حتى يأتي بالستة الأركان وهي :
الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسُله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات
يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ، ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين .
وأما ثبوت عذاب القبر في القرآن الكريم :
فمن الأدلة عليه :
1 - قوله سبحانه وتعالى عن آل فرعون Sad النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)
قال قتادة في قوله تعالى : (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال : صباحَ ومساءَ الدنيا ، يُقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغاراً لهم .
وقال ابن زيد : هم فيها اليوم يُغدى بهم ويُراح إلى أن تقوم الساعة .
قال ابن كثير : وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور .

2 - قوله جلّ ذِكرُه : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
قال مجاهد في تفسير هذه الآية : هو عذاب القبر .
وورد خلاف ذلك عن جماعة من السلف .
ولا إشكال في ذلك فهو محتَمَل ، كما أنه لا إشكال في ختم الآية بقوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لما يعلمون من عذاب القبر ، وتُدركه سائر المخلوقات .
على ما سيأتي بيانه .
وقال  : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الطور]
قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية : وهذا يُحْتَمَل أن يُراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ، وأن يراد به عذابهم في البرزخ ، وهو أظهر لأن كثيرا منهم مات ولم يُعَذَّب في الدنيا ، أو المراد أعم من ذلك . اهـ .

3 - قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)
قال أبو سعيد: يُضيّق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه فيه .

4 – قوله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام]
قال الإمام البخاري : باب ما جاء في عذاب القبر ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) قال : هو الهوان ، وقوله جل ذكره : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) [التوبة] . ثم ساق بإسناده عن النبي  أنه قال : عذاب القبر حقّ .

5 – قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)
قال الحسن البصري رحمه الله في تفسير هذه الآية – أعني قولَه تعالى : سنعذبهم مرتين – قال :عذاب الدنيا وعذاب القبر

6 - قوله سبحانه : (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون] قال مجاهد : ما بين الموت إلى البعث .

7 – قوله تعالى : (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار]
قال ابن القيم :
هذا في دورهم الثلاث ليس مختصا بالدار الآخرة وإن كان تمامه وكماله وظهوره إنما هو في الدار الآخرة وفي البرزخ دون ذلك كما قال تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) .
فالأبرار في نعيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة ، والفجار والكفار في جحيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة .
فهذه الآيات وغيرها مما استدلّ به أهل السنة على ثبوت عذاب القبر . اهـ .

وأما الأحاديث فقد قال ابن كثير : وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا . اهـ
ومن ذلك أن النبي  كان يتعوّذ بالله من عذاب القبر في كلّ صباح ومساء
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة لأبيه : يا أبت إني أسمعك تدعو كل غداة اللهم عافني في بدني . اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصرى لا إله إلا أنت تعيدها ثلاثا حين تصبح وثلاثا حين تمسى ، وتقول : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت تعيدها حين تصبح ثلاثا وثلاثا حين تمسى قال : نعم يا بنى إني سمعت النبي  يدعو بهن ، فأحب أن أستن بسنته . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
وكان النبيُّ  يتعوّذ بالله من عذاب القبر دُبُرَ كلِّ صلاة .
وقد كان سعد بن أبي وقاص يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول : إن رسول الله  كان يتعوذ منهن دبر الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر . رواه البخاري .
قالت عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله  ، وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تُفتنون في القبور ، قالت : فارتاع رسول الله  ، وقال : إنما تفتن يهود ، قالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله  : هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور . قالت عائشة : فسمعت رسول الله  بعد يستعيذ من عذاب القبر . متفق عليه .
وفي رواية : قالت : وما صلى صلاة بعد ذلك إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر .
وعنها – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله  : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال .متفق عليه .
وعن ابن عباس قال : إن رسول الله  كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول : قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات . رواه مسلم .
وقال عوف بن مالك : صَلَّى رسول الله  على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار . قال : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت . رواه مسلم .
وعن زيد بن ثابت قال : بينما النبي  لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حَادَتْ به فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال : رجل أنا . قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله من عذاب النار ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : تعوّذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . رواه مسلم .

إذا عُلِمَ هذا فإن ما يتعلّق بالقبر من عرض وفتنة وسؤال وعذاب ونعيم ، هو من علم الغيب الذي لا نعلم كيفيّته ، ويجب علينا الإيمان به والتسليم فيه لله ولرسول الله  ، فنؤمن به من غير سؤال عن كيفيّته ، وكيف يقع ؟ لأن عقولَنا قاصرة عن إدراك ذاتها فكيف تُدرك ما حُجِبَ عنها ؟
قال ابن القيم : أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي  .

وقال ابن أبي العز : وقد تواترت الأخبار عن رسول الله  في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهـد له به في هـذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيلة العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول . اهـ .

وعذاب القبر ليس مما يستحيل عقلاً ، ومن ذلك :
1 – أن النائم قد يرى في منامه أنه يُنعّم ، وإلى جواره آخر يرى أنه يعذّب ولا يشعر أحدهما بما يجري لصاحبه ، كما أنه لا يُدرك ذلك سوى صاحب المنام .
قال ابن القيم : أن ما أخبر به الرسول  من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه ، وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقِلّـة علمه أُتيَ ، كما قيل :
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
2 – أن العذاب يُمكن أن يقع على الأجساد حتى ولو أرِمَتْ وتبعثرت وتناثرت ويدلّ على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة  أن النبي  قال : أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه ، فقال : إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر ، فوالله لئن قَدَرَ عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا ، قال : ففعلوا ذلك به ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه ، فإذا هو قائم ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له بذلك .
فالذي جمَعَ أجزاء جسمه المتحللة في الهواء والماء قادر على أن يوقع العذاب على كلّ ذرّة من جسمه في أي مكان كان .
وقد تكلّم العلماء على هذه المسألة وضربوا لها الأمثلة بالذي يموت غرقا في الماء
أو حرقا بالنار ، بل حتى المصلوب ، إن كان ممن استحق عذاب القبر ، وأراد الله عذابه فإنه سبحانه لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
وأما الروح فلا إشكال في وقع العذاب عليها ؛ لأنها باقية .
3 – أن عذاب القبر مما تُدركه المخلوقات غير الإنس والجن ، لقوله  - عن الكافر أو المنافق : ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين . رواه البخاري وقد تقدم .
وقال  : إنهم يُعذّبون عذاباً تسمعه البهائم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم اذا مغلت الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما ، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى ، والجهال تظن انهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله ، وإنما هو من هذا القبيل ، فقد قيل : إن الخيل اذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغل .
وقد حدّثني بعض المسلمين الذين يُقيمون في بلاد الكفار ، أن الكفار الذين يدفنون موتاهم بالتوابيت مدة معلومة ثم يجمعون عظامهم بعد ذلك في مكان واحد وتستخدم التوابيت في دفن أكثر من شخص ، أنهم يجدون آثار أظفار وخدوش على جدران التوابيت ، وهم يعتقدون أن سبب ذلك أن من الأموات من دُفِنَ حيّاً .
4 - أن سماع عذاب القبر ليس مستحيلاً ، لقوله  : فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه . رواه مسلم ، وقد تقدّم .
فما ترك رسولُ الله  سؤالَ اللهِ أن يُسمع هذه الأمة من عذاب القبر إلا خشية ألا يتدافنوا . ولما كانت الحكمة مُنتفية في حق البهائم أُسمعت عذاب القبر
وأما أحوال الناس في البرزخ فَعَلَى أنواع :
النوع الأول : وهم أعلى الناس منزلة في قبورهم ، وهم الأنبياء ، قال  :إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .
النوع الثاني : الشهداء ، فإن النبي  لما سُئل : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . أي لما كان يُقاتِل . رواه النسائي وهو حديث صحيح .
ولما حَفَر جابر بن عبد الله قبر أبيه ، وكان من قُتِل يوم أحد . قال : فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كَيَومِ وَضَعْتُه غير هُـنـيّةٍ في أُذنه . رواه البخاري .
وهؤلاء – أي الشهداء – يُنعّمون في قبورهم ويأمنون من فتنة القبر وسؤال المَلَكين .
ويلحق بهذا النوع من يأمن فتنة القبر وعذاب القبر ، وهو من مات مرابطا أو من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة ، لقوله  : من مات مرابطا في سبيل الله أُجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل ، وأجري عليه رزقه ، وأمن من الفتان ، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع . رواه ابن ماجه وغيره وهو حديث صحيح .
وقال عليه الصلاة والسلام : من مات مرابطاً في سبيل الله أمّنَه الله من فتنة القبر .
وكذلك من يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة ، فإنه يأمن فتنة القبر ، فمن مات كذلك فإن هذا من المُبشِّرات له ، لقوله  : ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر . رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث صحيح .
النوع الثالث : مَنْ يُنعّم في قبره ، وإن كان يتعرّض للسؤال والامتحان ، وهو المؤمن الذي يفتح له باب من الجنة وباب من النار ، فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا ، فإذا رأى ما في الجنة قال : ربِّ عَجِّل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي ، فيقال له : اسكن . رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب .
ويُقال له : نَم نومة العروس .
النوع الرابع : من يُعذّب مدة ثم ينقطع عنه العذاب ، وهو عذاب بعض العُصاةِ الذين خفّت جرائمُهم ، فيُعذّب بحسب جُرمه ثم يُخفف عنه العذاب .
وهذا قد عدّه بعض العلماء من المكفِّرات العشر التي تُكفّر بها السيئات - راجع شرح الطحاوية – واصل الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
النوع الخامس : من عذابه دائم غير منقطع ، كما هو الحال في الكفار ، وكما تقدّم في حقّ آل فرعون ، فإنهم يُعرضون على النار صباح مساء .
وفي حديث البراء – وهو حديث طويل ، رواه الإمام أحمد وغيره – قال  - في شأن الكافر أو المنافق - : ثم يفتح له باب من النار ، ويمهد له فراش من النار .
وفيه : وإن الكافر - فذكر موته – ثم قال : وتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول هاه هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول هاه هاه لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فينادي مناد من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار ، قال : فيأتيه من حرها وسمومها ، قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه - زاد في حديث جرير - قال : ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبةٌ من حديد لو ضُرب بها جبل لصار ترابا ، قال فيضربه بها ضربه يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا ، قال : ثم تعاد فيه الروح . رواه أحمد وأبو داود واللفظ له .
قال ابن القيم عن حديث البراء : هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ ، ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث طعن فيه ، بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول وجعلوه أصلا من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه، ومساءلة منكر ونكير وقبض الأرواح وصعودها إلى بين يدي الله ثم رجوعها إلى القبر .

والميّت يُعرض عليه مقعَده ومنزله في كل يوم مرتين :
مصداق ذلك في كتاب الله في الآية المذكورة في عذاب آل فرعون .
وعن ابن عمر أن رسول الله  قال : إن أحدكم إذا مات عُرِضَ عليه مقعده بالغداة والعشي ؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يُقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة . متفق عليه
فيزداد العبد بشارة وسروراً وفرحاً إن كان من أهل الجنة ، ويزداد حسرة وألماً وندَماً إن كان من أهل النار .

السؤال في القبر :
أعني به سؤال الملكين للمقبور ، والأسئلة معروفة ، وقد ثبت في أسماء الملكين أنهما منكر ونكير ، وثبت في وصفهما أنهما أسودان أزرقان .
أما ما يُروى من أنهما يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن في اشعارهما ، وأن أعينهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف . فهذا حديث موضوع مكذوب
وأما ما يتعلّق بسؤال الملكين ، فهو ثابت في الصحيحين وغيرهما .
فَعَن أنس بن مالك قال نبي الله  : إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال : يأتيه ملكان فيُقعدانه ، فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال : فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال نبي الله  : فيراهما جميعا . رواه البخاري ومسلم .
زاد البخاري قال: وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ! فيُقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين .
وقد أوصى عمر بن العاص  فقال : فإذا أنا مِتّ فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فَشُنَّوا عليّ التراب شَنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ُنْحَر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أُراجِع به رُسُلَ ربي. رواه مسلم .
والميّت يسمع بعد الدّفن :
فعن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله  : إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا
لكن كيفية السّماع لا نعلمها لأنها ليست من جنس سماع الدنيا ، وكذلك عودة روحه في جسده ليست من جنس تعلّق الروح بالبدن في الدنيا .

سؤال التّثبيت للميت :
هذه الأمة تُفتن في قبورها ، كما قال عليه الصلاة والسلام .
فقد روى البخاري ومسلم عن أسماء قالت : أتيت عائشة وهي تصلي ، فقلت : ما شأن الناس ؟ فأشارت إلى السماء ، فإذا الناس قيام ، فقالت : سبحان الله قلت : آية ؟ فأشارت برأسها أي نعم ، فقمت حتى تجلاني الغشي ، فجعلت أصب على رأسي الماء ، فحمد اللهَ عز وجل النبيُّ  وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار ، فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب من فتنة المسيح الدجال ، يُقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن ، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا ، هو محمد ثلاثا ، فيُقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .
وروى البخاري ومسلم أيضا عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي  قال : إذا أُقعد المؤمن في قبره أُتيَ ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ)
وفي رواية لهما : أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر .
وكان النبيُّ  إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم وسَلُوا له التثبيت ، فإنه الآن يُسأل . رواه أبو داود وغيره ، وهو حديث صحيح .

ضمة القبر وضغطته :
قال رسول الله  : إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحدٌ ناجياً منها لنجا منها سعد بن معاذ . روى الإمام أحمد وغيره ، وصححه الألباني .
فهذا الحديث يدلّ على أنه لا ينجـو من ضغطـة القبر أحـد ، إلا أن بعض العلماء استثنى الأنبياء من ذلك .
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء بل هو أمر يَجِدُهُ المؤمن كما يجد ألَمَ فَقْدِ وَلَدِه وحَمِيمِه في الدنيا ، وكما يجد من ألم مرضه وألم خروج نفسه وألَم سؤاله في قبره وامتحانه ، وألم تأثره ببكاء أهله عليه وألم قيامه من قبره ، وألم الموقف وهوله ، وألم الورود على النار ، ونحو ذلك فهذه الاراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر ولا من عذاب جهنم قط ، ولكن العبد التّقِيّ يَرفق الله به في بعض ذلك أو كُلِّه ، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه . قال الله تعالى : وأنذرهم يوم الحسرة ، وقال : وأنذرهم يو الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر . فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي . ومع هذه الهزّات فَسَعْدٌ ممن نعلم أنه من أهل الجنة ، وأنه من أرفع الشهداء  . كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين ، ولا روع ولا ألم ولا خوف ؟ سل ربك العافية ، وأن يحشرنا في زمرة سعد . اهـ .

الاستعداد للحياة البرزخية :
1- إن من أيقن وآمن بأن القبر منزله وإن طالت به الحياة ، وأنه سوف يُسأل عن ربِّه ودينه ونبيِّه ، من آمن بذلك وجب عليه الاستعداد للسؤال ، بل ويُعدُّ للسؤال جواباً ، ولا بُدّ أن يكون الجواب صواباً ، ويظنّ بعض الناس أنه إذا كان يعرف الجواب في هذه الدنيا فسوف يُجيب على أسئلة المَلَكين ، وليس الأمر كذلك ، فإنهما ملكان عظيمان يَفزع لهول منظرهما من رآهما ، وكم من طالب دخل الامتحان وهو واثق من نفسه وأجوبته ثم أُصيب بقلق واضطراب أذهب عنه جميع المعلومات ، وهو يقف بين يدي بشرٍ مثله ، ولذا قال الله  : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) فليس التّثبيت لكل أحد بل هو للمؤمنين .
وقد جاء في حديث البراء – في شأن المؤمن – قال  : فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله  ، فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به ، وصدقت . فينادى مناد في السماء ان صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره . فالشاهد قوله : قرات كتاب الله فآمنت به وصدّقت .
قال أبو الدرداء  : أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربعة أذرع ؟ أقْبَلَ بك أهلك الذين كانوا لا يُحبون فراقك وجلساؤك وإخوانك فاطبقوا عليك الثنيات ، ثم اكثروا عليك التراب ثم تركوك بمثل ذلك ، ثم جاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان اسماءهما منكر ونكير ، فأجلساك ثم سألاك : ما أنت أم على ماذا كنت ؟ ثم ماذا تقول في هذا ؟ فإن قلت : والله ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلته ، يقولان : والله لا دريت ولا نجوت ولا هديت ، وإن قلت : محمد رسول الله أنزل الله عليه كتابه فأجبت به وبما جاء به ، فقد والله نجوت وهديت ، ولم تستطع ذلك إلا بتثبيت من الله مع ما ترى من الشدة والخوف . رواه ابن أبي شيبة .
2- الابتعاد عما يكون سبباً في عذاب القبر ، فقد مرّ النبيُّ  على قبرين ، فقال : أمَا إنـهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله . متفق عليه
فالنميمة من اسباب عذاب القبر ، وهي نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد وكذا عدم الاستتار من البول ، وعدم التّنزّه منه .
وهذه الأمور مما يتساهل فيها الناس ، ولذا قال النبيُّ  : وما يُعذّبان في كبير ، ثم قال : بلى . أي إنه لكبير عند الله ، ولكنه ليس كذلك عند الناس .
ثم أخذ جريدة فشقّها باثنيتن ، ثم وضع على كل قبر واحدة ، ثم قال : لعلّه يُخفف عنهما ما لم ييبسا .
ومن أسباب عذاب القبر نياحة الأحياء على الأموات ، لقوله  : الميت يعذب في قبره بما نِيحَ عليه . متفق عليه ،
قال العلماء : هذا إذا كان النَّوحُ من عادته ، أو من عادة أهله ، وكان يراهم ويعلم ذلك منهم حال حياته ، ولم يكن ينهاهم عن ذلك ، ولذا لما طعن عمر  أغمي عليه ، فصيح عليه ، فلما أفاق قال : أما علمتم أن رسول الله  قال : إن الميت ليعذب ببكاء الحي . متفق عليه .
قال الإمام البخاري : باب قول النبي  : يُعَذَّب الميت ببعض بكاء أهله عليه ، إذا كان النوح من سُنَّتِه .
3- من الأمور التي يُستعدّ بها للحياة البرزخية : حفظ وتلاوة سورة تبارك ، فقد ثبت عن النبي  أنه قال : سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر . رواه الحاكم وغيره ، وحسّنه الألباني .
ولذا كان النبي  لا ينام حتى يقرأ سورة تبارك وسورة السجدة ، كما في المسند والأدب المفرد للبخاري وسُنن النسائي ، وهو حديث صحيح .
4- اتِّباع الجنائز وزيارة القبور ، فإنها تُذكّر بالآخرة ، كما قال رسولُ الله  .
فإن المسلم إذا زار المقابر ، ورأى كثرة القبور ، وأنه لا فرق فيها بين غني وفقير وأمير ومأمور عَلِمَ أن الزاد لتلك الحُفَر هو العمل الصالح .
يستوي في ضريحه عبدُ ارضٍ وحُرّهـا - أي في المكان - .
وقد ثبت عن النبيّ  أنه قال – في المؤمن إذا وُضِعَ في قبره – قال : ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت تُوعد ، فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول : أنا عملك الصالح . رواه الإمام أحمد وغيره ، وقد تقدّمت الإشارة إليه
وفي المقابل فإن الكافر يأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث .
فَمَن علِمَ أن عملَه هو جليسُه في قبره حرص على إتقان العمل وتحسينه ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
5- الحرص على أكل الحلال ، وتجنّب أكل الحرام من الربا والغش والتدليس في المعاملات وغيرها ، وقد أوصى جُندب بن عبد الله أصحـابَـه فقال : إن أولَ مـا يُنْتِن من الإنسان بطنُه ، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل . رواه البخاري
6- الاجتهاد في إخلاص العملِ لله سبحانه ، فإن العمل الصالح لا ينفع صاحبه إلا إذا كان خالصاً لله ، وإلا فإنه يخونه أحوج ما يكون إليه .
7- تربية الأولاد التربية الإيمانية ، فإن الولد الصالح مما ينفع والديه حتى بعد موتهما ، لقوله  : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث - وذكر منها - : أو ولدٍ صالحٍ يدعو له . رواه مسلم .
8- إذا مررت بالقبور فتذكّر حُفرتَك ، وقد كان السلف إذا رأوا الظُّلمَة تذكّروا ظُلمَة القبور ، وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ، فيقال له : قد تَذْكُر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا ؟ فيقول : إن رسول الله  قال إن : القبر أول منازل الآخرة ، فإن نَجَا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم يَنْجُ منه فما بعده أشد منه . وقال رسول الله  : ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه .
قال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – :
من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبارُ يـخاف الشين والشعثــا
ويألــف الظـل كــي تبقـى بشاشتـه فسوف يسكن يومـا راغما جدثـــا
في قعــر مظلمــة غبراء موحشــــــة يطيل في قعرهـا تحت الثرى اللَّبَثَا
تجهــــــــزي بجهــاز تبلغين بـــه يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
9- أن مَن سكن القبور فإن مآله إلى البعث والنشور .
سَمِعَ أعرابيٌّ قارئاً يقرأ : ألهاكم التّكاثر حتى زرتم المقابر ، فقال : بعثٌ وربّ الكعبة .
لأنه لا بد للزائر أن يرتحل .
10- أخيراً :
هل تفكّرت ما مصيرك بعد الموت ؟
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعرى بعد الباب ما الدار
الدار جنة عدن إن عملت بما يُـرضى إلإلـه وإن خـالفت فالنـار
وقد قيل :
اتفرح والمنية كل يوم تريك مكــان قبرك في القبــور
هي الدنيا وإن سرتك يوما فإن الحزن عاقبة السرور
هل أنت مُستعدٌّ لتلك الخمسة الأشبار ؟
ألم تسمع أماني المفرطين عندما يقفون بين يدي رب العالمين ؟
قال الله  عن أمنية المفرّط : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)

وقبل الختام : تنبيه
حُرمة الميت في قبره :
قال رسول الله  : كسر عظم الميت ، ككسره حيا . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم ، وهو حديث صحيح .
ومما يقع فيه بعض الناس ، ويدخل في هذا الباب :
أولاً : الجلوس على القبور ، وهذا لا شك أن فيه انتهاكاً لحُرمةِ المقبور . وقد قال رسول الله  : لا تُصَلُّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها . رواه مسلم .
وقال  : لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس ( وفي رواية : أو يطأ ) على قبر . رواه مسلم .
ثانياً : المشي بالنِّعال بين القبور ، وهذا كثير لمن تأمّله ، وقد رأى النبيُّ  رجلاً يمشي بنعليه بين القبور ، فقال : يا صاحب السبتيتين ألقهما ، فنظر الرجل ، فلما عرف رسول الله  خلع نعليه فرمى بهما .
قال عبد الرحمن بن مهدى : كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائر فلما بلغ المقابر حدثته بهذا الحديث فقال : حديث جيد ورجل ثقة ، ثم خلع نعليه فمشى بين القبور .
وقد ورد الوعيد الشديد على المشي على القبور ، فقال عليه الصلاة والسلام : لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحبُّ إليّ من أن أمشي على قبر مسلم ، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق . رواه ابن ماجه بسند صحيح .

وقد كان ذكر الآخرة ومنازلِها كثير في خُطب سلف هذه الأمة .
خطب عليّ بن أبي طالبٍ  ، فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليُزِيح به علّتكم وليوقظ به غفلتكم ، واعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، وموقفون على أعمالكم ومجزيون بها ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، فإنها دار بالبلاء محفوفة ، وبالفناء معروفة ، وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال ، وهي بين أهلها دول وسجال ، لا تدوم أهوالها ، ولن يسلم من شرها نُزّالها ، بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة ، وتارات متصرفة ، العيش فيها مذموم ، والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدَفة ، ترميهم بسهامها ، وتقصمهم حُحمامها ، وكل حتفه فيها مقدور ، وحظه فيها موفور ، واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطولُ منكم أعمارا وأشدُّ منكم بطشا وأعمرُ ديارا وأبعد آثارا ، فأصبحت أموالهم هامدة من بعد نقلتهم وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستَبْدَلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار في القبور التي قد بُني على الخراب فناؤها وشُيِّد بالتراب بناؤها فمحَلُّها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين ، لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأظلتهم الجنادل والثرى ، فأصبحوا الحياة أمواتا ، وبعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب ، هيهات هيهات ، كلا إنها كلمة ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ، وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع ، وضمّكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبُعثرت القبور وحُصِّل ما في الصدور ، ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهُتكت عنكم الحجب والأستار ، وظهرت منكم العيوب والأسرار ، هنالك تُجزى كل نفس بما كسبت .

وشيع عليٌّ  جنازة فلما وضعت في لحدها عَجّ أهلها وبَكَوها ، فقال : ما تبكون ؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميِّتهم .

اللهم يامن يعلم السرَّ وأخفى ، يا كاشف الضرِّ مع البلوى ، ارحمنا إذا أُودعنا في الألحاد ، ونسِيَنا الأصحاب والعُوّاد ، وثبّتنا بالقول الثابت .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://dance2010.ahlamontada.net
 
الحياة البرزخية : عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صور من الحياة
» الحياة سلسلة
» كتاب : برنامج كنز المعلومات ..(عبدالله العضياني)
» الحياة وابوابها الثلاث
» الحياة الزوجية الجنسية للدكتورة / هبة قطب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عماد عبد الحى الأطير  :: المنتديات العامة :: المنتدى الاسلامى-
انتقل الى: