كتاب"السر" والكارثة الاقتصادية
مثلما هناك حمل كاذب، هناك أيضا سر كاذب. والسر الكاذب هو ما روجت له "روندا بيرن" في كتابها الذي حمل سرا كاذبا، لكنه انطلى على الملايين من القراء حول العالم، والمصيبة أنه انطلى على الخبراء أيضا. ففي حوار طريف جرى بيني وبين أستاذ إدارة مرموق، وهو أيضا أحد قراء "خلاصات" الدائمين، أبدى استغرابه من أننا في "شعاع" لم نلخص كتاب "السر." فأكدت له بأنني قرأت الكتاب فعلا ولم أجد فيه ما يستحق التلخيص أو القراءة.
وسألخص للقراء كتاب "السر الكاذب" في ثلاث أو أربع عبارات، فهو يقول مثلا: "كل ما يصادفك في الحياة هو نتيجة جذبك إياه. هذه الأشياء تنجذب إليك بتأثير من الصور الموجودة في عقلك. هذه الأشياء هي ما تفكر به. كل ما يدور في عقلك تقوم أنت بجذبه إلى نفسك." ويضيف: "قانون الجذب هو الذي يحدّد كل ثانية في حياتك وكل شيء يمر بك. لا يهم من أنت، فقانون الجذب يشكّل كل خبرة حياتك وهو يفعل ذلك عبر أفكارك. أنت تستدعي قانون الجذب لكي يعمل، وأنت تفعل ذلك عبر أفكارك. لماذا - في رأيك - يكسب 1% من الناس 96% من الأموال حول العالم؟ هل تعتقد أنها صدفة؟ كلا! بل يوجد سبب وراء ذلك. فهؤلاء عرفوا شيئاً ما، لقد اكتشفوا السر."
أرى أن هذا الكتاب تحديدا – بالإضافة إلى "جورج بوش" وغياب الضمير والوازع الأخلاقي- هو "سر" الخراب الاقتصادي الذي لحق بالعالم. فهو يدعي أن "سر الحياة العظيم هو قانون الجذب، لأن الشيء يجذب مثيله. والأفكار المغناطيسية لها تردد، فعندما نفكر فإننا نرسل أفكارنا في الكون، فتجذب تلك الأفكار الأشياء المشابهة والتي تحمل نفس التردد. فكل شيء ترسله يعود إلى المصدر، أي إليك أنت، وهكذا تتحول الأفكار إلى أشياء."
ما هذا الكلام السخيف؟! ما أعرفه من ثقافتي العلمية البسيطة هو أن الأشياء المتشابهة تتنافر ولا تتجاذب، خاصة الأشياء التي تحمل طاقة مغناطيسية! أليس كذلك؟
سأجلس – بعد أن أنتهي من كتابة هذا المقال – وأفكر في أن أصبح رئيسا لوزراء الأردن، وأقتنص 10% من أسهم شركة "جوجل،" وأن أتناول طعام العشاء مساء اليوم في منزل "براد بيت" و "أنجيلينا جولي،" ولن أنسى أن أفكر بعمق وصدق بأن يرأف "ناتانياهو" بـ "محمود عباس" ويعطيه دولة فلسطينية! فهل ستتحقق هذا اليوم، أو هذا الشهر أو هذا العام كل أحلامي اليقظة هذه؟
وسأذيع لكم "سرا" لن يتحقق من أمنياتي شيء! لماذا؟ لأن كل ما سبق من أفكار لن يتحقق بدون عرق وجهد وتخطيط وتنفيذ وأخطار واستثمار واستنفار. بل إن بعض تلك الأحلام الهوائية - ربما لو تحققت - لن أقبلها، وأنتم تعرفون - على الأقل - واحدا أو اثنين منها.
لا يمكن لقانون الجذب الخاص بـ "روندا بيرن" أن يكون قانونك أنت. إذ عليك أن تطول بنفسك، مهما كان جدك طويلا؛ وعليك أن تقوى بنفسك مهما كان أبوك قويا؛ وعليك أن تكافح لنفسك مهما كافح أخوك وموظفوك! لماذا؟
هناك طفلة بريئة في الحادية عشرة من عمرها تعرضت للاغتصاب وهي عائدة من المدرسة إلى بيتها، وكانت تفكر بتناول غذائها مع أسرتها ثم إنجاز واجباتها المدرسية، ورسم وردة جميلة تهديها لأمها في عيد الأم! فهل هذه الأفكار هي التي جذبت ذلك المجرم الخائن ليقوم بهذا العمل الشائن؟! لوم الضحية هو إحساس وشعور سخيف وأناني لأنه يغذي شعورنا بالفوز حينما يخسر غيرنا. وهذا يعني أن نعتبر أنفسنا منتصرين ورابحين لأننا لم نُخدع بما حدث (للأغبنياء) الذين خسروا أموالهم في البورصة (لقراءة مقال "الأغبنياء"، راجع العدد رقم 26 من "علاقات") .
كتاب "السر" لا يختلف عن كتب: "كيف تصبح مليونيرا في أسبوع،" أو "كيف تتعلم الإنجليزية في خمسة أيام،" أو "كيف تصبح مدربا عالميا من خلال برنامج التسمين في تدريب المدربين." فلا يمكن للتفكير الإيجابي وحده أن يكون بديلا للابتكار والاستثمار والمبادرة والمغامرة. من المؤكد أن للطاقة الإيجابية دورا في شحذ الهمم، وأن التفكير السلبي يؤدي إلى الكسل والنوم في العسل، لكن التفكير بدون فعل يبقى ذكاء غبيا، لأنه يساوي بين التفكير فقط، وبين التفكير والتنفيذ معا.
فما هو "سر" نجاح كتاب "السر" رغم أن فكرته شائعة وكذبته خادعة؟
لقد استندت المؤلفة إلى الحكمة التاريخية القديمة وتحدثت عن البابليين والفراعنة وحكماء الشرق وفلاسفة الغرب، والإنسان يميل بطبعه إلى تصديق كل ما هو قديم وعتيق وتاريخي، لأنه يعتبره مرجعا موثقا وموثوقا به. ثم استندت إلى العلم بطريقة مخادعة حين قالت إن الأفكار تتضمن طاقة، واستشهدت بفيزياء الكم، أو الميكانيكا الكمية (كوانتوم فيزكس)، فحققت أكبر سقطة يمكن أن يقع فيها مؤلف. فهي تدعي من ناحية أن الطاقة النابعة الأفكار هي "ميتافيزيقيا" ثم تقول بإنها محكومة بقوانين "الفيزيقيا!" فكيف يمكن للطبيعة ولما وراء الطبيعة أن يلتقيا في قانون واحد؟! ! وهذ هو سر وحقيقة أكبر كذبة عرفتها البشرية. وهل يمكن للمؤلفة أن تحقق ملايين الدولارات لو أنها فكرت في (الماوراء) وأرسلت أفكارها لجذب الملايين، دون أن تكتب وتنشر وتسوق كتابها؟ !
الموارد في هذا العالم محدودة، ولا يمكن أن توزع بالتساوي؛ لأن من يعمل ويجتهد ويخاطر ويفكر ويخطط وينفذ أكثر، هو من يأخذ أكثر! لقد حلم كثيرون بالسيارات الفاخرة والقصور العامرة واليخوت الماخرة، فاقترضوا من البنوك، وزورا وباعوا الصكوك، فكان مصيرهم الإفلاس! فأن تكسب دون أن تتعب، يعني أنه بإمكانك أن تحصد دون أن تزرع! فقد خلق الله الإنسان لإعمار الكون، وليس في ذلك سر. الفكرة الوحيدة التي تجول بخاطري الآن هي أن يلقي كل من اشترى "السر" بالكتاب في أقرب صندوق قمامة، ثم يعود إلى العمل. العمل هو المدخل الوحيد للحلم والأمل.
رابط التحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]