المهم أن هذا الضابط ضج وقرر التظلم فرفض رئيس اللجنة طلبه صارخا: إحنا معندناش خيار
ول فاقوس. فانفعل الضابط قائل: أليس من العدل يا باشا أن تعاملنى مثل ابنك وهو موجود الن
فى إعارة خارج البلد، ونحن تخرجنا معا ول يوجد فرق بيننا سوى أن سيادتك مساعد لوزير
الداخلية.
وتكهرب الجو وذهل الجميع للحظات .. ولكن أحدهم استعاد أنفاسه، وقال: هذا الكلم عيب ول
يصح أن يقال ويجب أن تعرف أن كل ضابط يتم معاملته طبقا لقدراته. وأضاف: عموما نفذ النقل
وأعدك فى حركة التنقلت القادمة سوف أنقلك الى المنطقة الساحلية.
وبالطبع هذا لم يحدث وخرج الضابط المسكين وهو يردد: حسبى ال ونعم الوكيل.
ويصل التنكيل بالضباط الى درجة ل يتصورها عقل، فقد كان وزير داخلية سابق عندما يغضب
على ضابط ينقله الى ما يسمونه المنطقة الثانية ولما سأله أحد رجاله: لماذا ل تنقله الى غياهب
المنطقة النائية؟ فرد عليه: يا غبى فى المنطقة النائية سيقضى مدة محددة ثم يعود، لكن فى
المنطقة الثانية يمكن أن يقضى كل مدة خدمته. وبذلك ل طال المنطقة الولى حيث يعيش فيها مع
أسرته وأولده، ول طال منطقة نائية يعود منها بعد سنوات محددة ويكون له حق النقل بعدها.
وبسبب هذه الوحشية فى التعامل مع الضباط غير المسنودين يتم تشريد أسرهم ماديا ومعنويا
وتدميرهم كبشر ول توجد جهة أو نقابة تحميهم، فهم عرايا بصدورهم فى وجه ظلم فظيع وغير
إنسانى، كما أن العلم ل يهتم بهم وبمشاكلهم، أى تفترسهم الداخلية فى السر والظلم.
ويعتبر المؤلف أن المعاش المبكر هو القنبلة التى انفجرت فى قلب الداخلية، فألقى بذوى الخبرة
الى الطريق العام وابقى على المسنودين الذين هم فى الغالب قليلو الخبرة وفاسدون، فالمأمور
الجاد الذى ينجح فى فرض المن بالصلح بين المتخاصمين واستخدام الساليب القانونية فى
تأديب المنحرفين دون إهدار كرامتهم قد يفاجأ الجميع بأنه أحيل للمعاش المبكر بسبب خلف
شخصى مع واحد من رؤسائه النافذين أو واحد من المليونيرات الكبار أو أمسك بمجرم له
علقات أو لن أحد المسنودين طمع فى موقعه.
ولذلك فهذا النظام تستخدمه القيادات فى تخويف الضباط، ولو كان هذا لصالح المواطنين لهان
المر ولكنه يتم لصالح الكبار، فاللجنة المسئولة عن ترقية الضباط ومد خدمتهم يتم تبادل
المصالح بين أعضائها يعنى شيلنى واشيلك .. وحتى يؤكد المؤلف صدق كلمه فانه يطالب
بمقارنة ملفات المحالين إلى المعاش بالموجودين فى الخدمة، فهناك من استمر فى الخدمة رغم
اتهامهم بتهم مشينة، منهم واحد اختلس 15 ألف جنيه من بونات البنزين وتمت إدانته ولنه مسنود
عاقبوه بالنقل الى منطقة ساحلية ووضع مميز. وآخرون سرقوا 5 كيلو ذهب وهم يفتشون أحد
البيوت وتمت ترقيتهم الى مواقع مرموقة.. وثالث كان يروج عملت مزيفة مستخدما العساكر
الذين تحت إمرته ولكن والده الباشا سوى المر وديا .. وعاشر أطلق الرصاص على مواطن
بريء كان يركب سيارة لن السائق لم يتوقف للتفتيش لنه ل يحمل رخصة واسرع مدير
المباحث واحضر بندقية آلية واطلق منها الرصاص ووضعها بجوار الجثة حتى يقولوا إن القتيل
قاوم رجال الشرطة وبالطبع شهد أفراد الكمين بذلك وبالطبع فالضحية مواطن فقير وغلبان ولكن
لو كان مسنودا أو ثريا مهما كان مصدر أمواله فانه يجلس فى مكتب أى قيادة كبيرة فى الداخلية
ويأتى بالضابط الذى ضايقه ويمسح به البلط أمامه وقد يحوله الى تحقيق فورى.
وبسبب عدم شعور الضابط بالمان فى عمله فان السائد بينهم هو ضرورة عمل مشروع خاص
يؤمن له حياته أو يتعلق بأهداب الغنياء عشان يعمل قرشين للمستقبل أو حتى يشتغل عندهم بعد
خروجه من الخدمة.
ورغم أن نظام المعاش المبكر يطيح فى الغالب بالشرفاء إل أنه طوق نجاة لكثيرين حتى
يتخلصوا من عبودية وزارة الداخلية حتى إن المؤلف الذى كان عميدا يقول إن الحياة خارج
الشرطة جنة يتنفس فيها الحرية ويطمئن زملءه الموجودين بالخدمة أن المواطنين ليسوا
مجرمين كما تقول لهم الوزارة ، فأغلبهم طيبون وهادئون.
اعترافات ضابط شرطة فى مدينة الذئاب 4
والغريب فى جهاز الشرطة أن خطأ الضابط يظل يحاسب عليه حتى يموت، يعنى يظل فى ملفه
حتى بعد مرور المدة القانونية على عقابه، ويمنعه من الترقى، واحيانا يكون الخطأ تافها مثل
الخصم ثلثة أيام لوجوده فى دورة المياه أثناء خدمته فى مباراة كرة قدم ،ناهيك على أن الضابط
هو النسان الوحيد فى العالم الذى يحاكم على نفس الجريمة مرتين، مرة بالقانون العادى مثل أى
مواطن ومرة بقوانين الشرطة التى ل تغفر الذنوب حتى لو كانت ظالمة. ول يتوقف نوع العقاب
الذى يتعرض له الضابط على جسامة الخطأ ولكن على أهمية منصب من ضبطه، فالخطأ الذى
يكتشفه الوزير معناه المحكمة التأديبية -التى كثيرا ما يملى عليها التعليمات أكثر مما تطبق
القانون- وقد يصل المر إلى العدام الوظيفى بالفصل من الخدمة، واذا اكتشف الخطأ رتبة
صغيرة فقد يقتصر المر على مجرد النذار أو الخصم واذا ذهب الضابط الى لجنة التحقيق
للدفاع عن نفسه فى الغالب ل يسمعه أحد.
وفى أحيان كثيرة تتصيد لجان التفتيش الخطاء، لن أعضاءها أو القائم بعملها اذا لم يدون
مخالفات فهذا معناه أنه مهمل ومن الممكن أن يعاقب هو، وفى هذه الحالة فمن الفضل له أن
يتسبب فى خراب بيت الذين يفتش عليهم. فأحد القيادات كما يروى المؤلف كان يفتش ولم يجد أى
خطأ ولكن ربنا أكرمه كما قال لن ضابطا تأخر لمدة خمس دقائق عن موعد الدورية وحتى يزيد
حجم المخالفة تعمد تأخير هذا الضابط المسكين عن موعده ربع ساعة كاملة ولذلك تجد كل واحد
من هذه القيادات يستعرض ذكاءه فى اصطياد الضباط وعقابهم.. إنها عقلية المماليك، العقلية
السادية التى تستمتع بخراب بيت من هم اضعف منه.
إن الجميع ضباطا وأفرادا يتربص كل واحد منهم بالخر، حتى اذا حانت الفرصة ينقض على
زميله حتى يرضى عنه رؤساؤه ويفخر بما فعله، انهم جميعا خائفون مرتعدون من بعضهم
البعض، إنها فلسفة الغدر والخيانة، فلسفة قيادات الشرطة.
ويسأل المؤلف اذا كانت هذه هى العلقة بين الضباط، فكيف تكون علقتهم بالمواطن، ومن
الطبيعى فى هذه الحالة أن تكون علقة عدوانية خالية من أى ثقة، جوهرها أن المواطن هو
مجرم أول حتى يثبت العكس، أو أنه مجرم احتاط لتغطية ما فعله.. ومن هنا فان القبض على
المواطنين البرياء يتم بسهولة حتى تثبت براءتهم وبالطبع ل يتم ذلك إل مع الفقراء اللى ملهمش
ضهر.
وينتقل المؤلف الى اخطر ما فى الكتاب وهو مهزلة التقارير السرية عن الضباط، والتى تتدخل
بشكل فاجر فى حياته الشخصية، يعنى فى غرفة نومه وعلى سريره، تطلب منه أن يطلق زوجته
بحجة مثل عدم ملءمة مستواها الجتماعى أو المهنى أو الخلقى .. وهناك حالت كثيرة، منها
الضابط الذى تزوج مطربة واستدعته قيادات الوزارة وأمروه بتطليقها، فى حين أن الوزير نفسه
كانت متزوجا من مطربة ولكنها مشهورة. وضابط آخر طلق زوجته بعد خلفات شديدة وتزوج
أخرى بعد قصة حب ولكن القيادات طلبوا منه تطليقها لن مهنتها الشريفة ل تتناسب مع مستوى
الضابط الجتماعى.
كتب التقارير السرية ضد الضابط وزوجته وأحيانا ما تكون مستندة إلى وعلى هذا المنوال ت
شائعات وأحيانا يتم تلفيقها بعلم القيادات ويتم عقابه دون تحقيق مثل أن فلنا تزوج من امرأة
ساقطة أو مشبوهة، وبالطبع ل تنال هذه التقارير من المسنودين ولكن من الغلبة. والذين يكتبون
هذه التقارير عادة ما يتم مكافأتهم، رغم أنها أحيانا تكون ملفقة ومجرد شائعات ويا سعده يا هناه
من يتلقفها ويكتبها. والكارثة تكون أكبر اذا اتهم التقرير السرى الضابط بعلقات نسائية دون
تحقيق أو دليل، فتسوء سمعته وسمعة أسرته وينفض عنه المعارف والصدقاء وتطلب زوجته
الطلق. وتوفر هذه التقارير العجيبة الحجة للقيادات حتى تنقل بعض الضباط من الماكن
المتميزة وتضع بدل منهم المسنودين.
وكتبة هذه التقارير أباطرة مشغولون بها ويتركون عملهم الساسى فى المباحث لمعاونيهم ول
ينتقل الواحد منهم الى مكان أى جريمة إل اذا كان بأمر من رؤسائه أو اذا كان لمليونير أو على
علقة بالقيادات، وفى هذه الحالة ل يحرص فقط على القيام بواجبه فى التحقيق والبحث عن
المجرم ولكنه يفعل المستحيل حتى تعود مثل الشياء المسروقة الى صاحبها الثرى صاحب
النفوذ. وقد طلب أحد رؤساء المباحث من لص مسجل عنده بأن يحضر تليفزيون بمواصفات كذا
كذا لكى يعطيه لمسئول كبير تمت سرقة منزله.. وبذلك يظهر أمام رؤسائه بأنه مجتهد حيث
قبض على اللص واعاد المسروقات فى وقت وجيز
لو حاكمنا المعتقلين لن نستطيع إدانة واحد منهم!
نشر فى جريدة "نهضة مصر"
الطوارئ والعتقال هما اليدز والسرطان للديمقراطية في مصر، فالطوارئ تلغي الشرعية
وتلغي القانون والدستور، فاذا كان الدستور ينص علي ان الحرية الشخصية حق طبيعي وانها
مصانة وانه ل يجوز القبض علي احد او تفتيشه او حبسه او تقييد حريته ال بامر من القاضي
المختص او النيابة العامة، فان الطوارئ تلغي كل هذه الضمانات، واستنادا الي الطوارئ يستطيع
موظفو السلطة العامة القبض علي المواطنين وتفتيشهم دون اذن مسبق وبحجة واهية تسوقها
الحكومة تقول ان الوضع ل يسمح بالحصول علي اذن، بهذه الكلمات المعبرة بدأ العميد السابق
بوزارة الداخلية محمود السيد قطري دراسته حول الطوارئ والعتقال واثرهما علي المجتمع.
انتقد قطري تذرع الداخلية بضيق الوقت لعدم استئذان القضاء او النيابة قبل القبض علي
المواطنين ، مؤكدا ان هذا الذن يسهل الحصول عليه شفويا حتي وإن كان المر يتعلق بقضايا
أمن الدولة او الرهاب، وقال ان ضباط امن الدولة قبل القبض علي اي مواطن يستأذنون قياداتهم
ومن الولي ان يستأذنوا النيابة العامة او القضاء.
اكد قطري في الدراسة ان ضباط امن الدولة ل يلجأون الي النيابة العامة او القضاء قبل القبض
علي المواطنين لعدم وجود ادلة كافية لتورطهم في شيء يستحقون علي اساسه القبض عليهم،
وان الضباط يعلمون ان الجهات المختصة لن تأذن لهم في القاء القبض علي المواطنين دون ادلة
واضحة، وأكد ان نقص المعلومات - أو وجود ادلة ولكنها غير كاملة - يتطلب من الضباط مزيدا
من الجهد، ال انه عاد ليقول ان هذا ما يطلق عليه "العمل المباغت" واصفا اياه بانه كباقي المواد
الشرطية التي تدرس في كليات الشرطة بسطحية شديدة، ول يجد الضابط من القواعد العلمية ما
يمكنه الستعانة به في وضع خطوط عملية للوصول الي القرائن التي تدين المشتبه به، مؤكدا ان
جمع هذه المعلومات تخضع للعشوائية والقدرات الشخصية للضباط، وأكد ان ضباط امن الدولة
يختارون السلوب السهل وهو القيام بالقاء القبض علي المشتبه به والضغط عليه بدنيا من خلل
التعذيب حتي يعترف بما يريدونه ، مشيرا الي ان بعض من يتم القبض عليهم يعترفون بما لم
يرتكبوه اتقاء للتعذيب، ولفت الي ان الضباط هنا يستخدمون سلطة الطوارئ ليداروا عجزهم
المهني.
اوضح ان العتقال المستند الي الطوارئ يؤدي الي حبس المواطن والقائه في السجن دون ادلة
او براهين، وقال اننا لو حاكمنا المعتقلين فلن نجد بينهم واحدا مداناً، وأكد علي ضرورة الغاء
حالة الطوارئ فورا مؤكدا ان استمرار العمل بها غير مفيد لفتا الي ان جميع العمليات الرهابية
حدثت في ظل الطوارئ.
[/center][/b][/size][/font]